د. أسامة الفاعوري
يقول والتر كرونكايت أحد عظماء الصحافة الأميركية في جميع العصور، وغالبا ما كان يطلق عليه «الرجل الأكثر ثقة في أميركا» في التعليم «مهما كانت تكلفة التعليم وبناء المكتبات مُرتفعة، ستبقى أرخص كثيرا مقارنة مع تكلفة بقاء الأمة جاهلة». فالتعليم بكل معنى الكلمة هو أحد العوامل الأساسية للتنمية، والتعليم يرفع إنتاجية المجتمعات وإبداعها، ويعزز روح المبادرة والتقدم التكنولوجي، بالإضافة إلى ذلك، يلعب دوراً حاسماً في تأمين التقدم الاقتصادي والاجتماعي وتحسين توزيع الدخل. ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا، كيف يؤثر التعليم على تنمية البلد؟ مما لا شك فيه أن اقتصاد البلد يصبح أكثر إنتاجية مع زيادة نسبة الموظفين المتعلمين، حيث يتمكن الموظفون المتعلمون من أداء المهام التي تتطلب معرفة القراءة والكتابة والتفكير النقدي بشكل أكثر كفاءة، ونتيجة لذلك، تقدم العديد من البلدان التمويل للتعليم الابتدائي والثانوي لتحسين الأداء الاقتصادي. وهناك الكثير من الأدلة على أن مستويات التعليم بين السكان ترتبط ارتباطا وثيقا بمستويات التنمية الاقتصادية.
تؤكد نظرية رأس المال البشري (غاري بيكر ومارك بلوجن وغيرهم) على أن التعليم يخلق مهارات تؤدي إلى مستويات أعلى من الإنتاجية بين من يمتلكونها مقارنة بأولئك الذين لا يمتلكونها. ولكن السؤال الذي لا بد من طرحه هنا، هل التعليم مُكلف؟ نعم مُكلف ولكن مما لاشك فيه أنه يجلب فوائد كثيرة مرتبطة بهذه الكلفة، ويمكن مقارنتها بكلفة أي مشروع استثماري من نوع آخر، ويتضح ذلك من خلال ما يطرحه منظرو رأس المال البشري من أدلة بديلة من أنواع مختلفة لدعم التأكيدات المذكورة أعلاه، منها، أولاً، هناك علاقة قوية، ويمكن التحقق منها تجريبياً، في جميع المجتمعات بين الأجور والرواتب التي يتلقاها الناس في العمل ومستوى التعليم الذي تلقوه، ويبدو أن مستويات التعليم الأعلى لديها، في المتوسط، مستويات أعلى من الدخل، بالإضافة إلى مستوى أعلى من الإنتاجية. كما يستخدم أصحاب العمل الخصائص التعليمية كبديل لمدى ملاءمة موظفيهم وإنتاجيتهم المحتملة. ثانياً، لا تبدأ الأرباح حسب عمر الأشخاص الأكثر تعليماً عند مستوى أعلى فحسب، بل تزداد بسرعة أكبر إلى الذروة - التي تحدث في وقت لاحق من العمر- مما هو عليه الحال في ملفات تعريف الأرباح التي تقل عن متعلم. إن التعليم يجعل الناس أكثر إنتاجية ولكن أيضاً إنه يعزز القدرة على التعلم بالممارسة، مما يؤدي إلى زيادة الإنتاجية، وبالتالي زيادة الأرباح بمعدل أسرع من أولئك الذين لديهم التعليم الأقل.
ولكن لا يزال هنالك جدل في هذه الافتراضات، فقد جاءت الانتقادات المبكرة لنظرية رأس المال البشري من مجموعة من الاقتصاديين الراديكاليين (بولز، جينتيس، وغيرهم، يشار إليها أحيانا بـ «منظري المراسلات») جادلوا بأن التعليم كان موضع تقدير من قبل أرباب العمل ليس بسبب المهارات المعرفية التي تخلقها، ولكن بسبب الصفات والصفات غير المعرفية التي ظهرت في مستويات مختلفة من نظام التعليم. يزعم هؤلاء النظريون أن الصفات غير المعرفية التي يشجعها كل مستوى من النظام المدرسي تتوافق بقوة مع الصفات المطلوبة من الموظفين في المستويات غير الماهرة والمتوسطة والمستوى العالي من التسلسل الهرمي المهني، وهكذا تم الحكم على أن التعليم مسؤول عن إعادة إنتاج التسلسلات الهرمية الاجتماعية في المجتمع بطريقة مستقرة ويمكن التنبؤ بها أكثر من تعزيز القدرات الإنتاجية للعمل.
[email protected]